اهتم العرب قديما وحديثا بالنقد، باعتباره علما من العلوم المتصلة بالأدب، والملازمة له،فالنقد يدرس أصالة الأدب، أو عدمها، انطلاقا من تحليل النصوص الأدبية، وتقويمها من الناحية الفنية، وبيان مكانتها في ساحة الأدب سواء تعلق الأمر بمكانة الأدب قديما وحديثا، وتطور علم النقد رهين بتطور الأعمال الأدبية، التي يخصها بالتمحيص والمناقشة، وانطلاقا مما سبق يمكننا طرح التساؤلات التالية:
- ما معنى النقد؟
- وكيف نشأ هذا المفهوم؟
- وما التطورات التي شهدها؟
معاني النقد
النقد هو التمييز بين الجيد والرديء، ونقد الدراهم تمييز جيدها من رديئها. وأول من استخدم مصطلح النقد بهذا المعنى هو قدامة بن جعفر 310 هجرية، في كتابه نقد الشعر؛ إذ يقول " ولم أجد أحدا وضع في نقد الشعر وتخليص جيده من رديئه كتابا، وكان الكلام عندي في هذا القسم أولى بالشعر من سائر الأقسام"[1].
وجاء في حديث أبي الدرداء: "إن نقدت الناس نقدوك، وإن تركتهم تركوك"[2]، ومعنى نقدتهم عبتهم.
"والنقد في أدق معانيه هو فن دراسة الأساليب وتمييزها، وذلك على أن نفهم لفظة الأسلوب بمعناها الواسع، وهو منحى الكاتب العام، وطريقته في التأليف، والتعبير والتفكير والإحساس على السواء"[3].
نشأة النقد وتطور المفهوم
ظهر النقد في الأسواق الأدبية (سوق عكاظ)، وكانت تقام فيه للنابغة الذبياني قبة حمراء يأخذ مكانه فيها بين الشعراء بعد سماع شعرهم، ثم يحكم بين الشعراء بعد سماع شعرهم، حيث يميز بين الجيّد والرديء من الشعر، ومن أمثلة ذلك انتقاد الخنساء لقول حسان بن ثابت، حين قال:
لَنا الجَفَنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بالضُّحَى **** وأَسْيافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةٍ دَمَا
ومن بين النماذج التي تعرضت للنقد؛ نذكر قصة نقد طرفة بن العبد قول المتلمس الضبعي:
وقَدْ أتَنَاسَى الهَمَّ عِنْدَ احتِضَارِه *** بِنَاجٍ عَلَيْهِ الصَيعَرِيَّةُ مُكْدَمِ
قال طرفة بن العبد: استنوق الجمل، في إشارة لوصف الشاعر؛ وهو المتلمس، الجمل بما توصف به الناقة؛ لأن الصيعرية سمة تكون في عنق الناقة.
وقد كان النقد العربي في مراحله الأولى نقدا قائما على الانطباع الذاتي، يخلو من التعليل والتفسير في أغلب القضايا، ولايحتكم لمعايير موضوعية، من خصائص الأساليب وما تحتويه من بلاغة (معاني، بيان، بديع)، وبرز النقد بعد مرحلة التدوين، وأصبح يعتمد على منهج محدد في دراسة أشكال النصوص، وذلك بعد أن شهد تغيرا على مستوى البيئة، والموضوعات المتداولة، "فقد عاد الشعر إلى حياته الأولى، وازدادت أبوابه اتساعا وأغراضه تنوعا وافتنانا، وجادت معانيه، وتهذبت ألفاظه، بعامل المنافسة وبتأثير الأسلوب القرآني الذي أخذ الشعراء ينظرون فيه ويحاول أن يحتديه كل مزاول لصناعة الكلام"[4].
ونشطت الحركة النقدية، بعد النهضة الشعرية التي عرفها العصر الأموي والعباسي؛ إذ علت منزلة الشعر، وتنافس الشعراء فيما بينهم، حيث أقاموا منتديات أدبية ساهمت في خلق جو من التنافس بين الشعراء والقبائل التي يمثلونها، فصارت هذه المجالس مناسبة لتذوق الشعر، وتدارس جودته، كما ظهرت فنون أخرى كفن النقائض الذي تزعمه (جرير والفرزدق والأخطل).
وتطور النقد العربي بعد ذلك، فخلع جلباب النقد السطحي القائم على الذوق والانطباع الذاتي، وسار مقيدا بالتفسير والتعليل، وضبط استعمال الألفاظ المناسبة للسياق اللغوي، "فالتطور اللغوي الذي حدث في العصر الأموي لم يكن ليترك دون مقاومة ودون جملة نقد تهدف إلى وقف تيّاره أو الحد من طغيانه وكانت تلك الحملة قد مرّت بطورين:
الأول: طور استنكار الخطأ والزراية على مرتكبيه ثم وجد أن الاستنكار لا يكفي للوقوف بوجه الخطأ، فانتقل النقد إلى الطور الثاني، وفيه نشأت مجموعة مقاييس وقواعد اصطلح عليها بالنحو، وأصبح الشعراء ملزمين باتباعها فإن أخلوا بها، أو حادوا عنها رفض شعرهم ووصموا بالخطأ"[5].
وإذا عدنا لتاريخ النقد، نجد أنّه نشأ بسيطا، غلبت عليه الروح الذاتية والانتصار للقبيلة والعشيرة، وشهد بعد ذلك تطورا ساهم فيه تطور الأدب بتطور العصور وتعاقبها، فكان بذلك سلاحا لتقويم الشعر وتصويب ألفاظه.

تعليقات
إرسال تعليق