القائمة الرئيسية

الصفحات

 

 

مفهوم علم اللسانيات

يُعَد علم اللسانيات أو الألسنية علما حديثا، نشأ في سبعينيات القرن الماضي، ويهتم بدراسة الظاهرة اللغوية دراسة محكمة. وتعتبر اللسانيات علما من العلوم الإنسانية الحديثة، لأنه أحدث قطيعة إبستيمولوجية مع علوم اللغة التقليدية في الغرب؛ أي أنه انتقل من دراسة اللغة وظواهرها، إلى دراسة الآليات التي تولد البنيات اللغوية والقواعد التي تنتجها، وانتقل بذلك البحث اللساني من البحث في اللغة إلى البحث في نحو اللغة، وانتقل من الاهتمام بلغة خاصة من اللغات البشرية المعروفة إلى الاهتمام بنظرية اللغة الإنسانية.

موضوع اللسانيات

ولم يحدد موضوع اللسانيات إلا بعد ظهور كتاب دروس في اللسانيات العامة؛ وهو عبارة عن سلسلة من المحاضرات التي قدمها فرديناند دي سوسير*Ferdinand de Saussure، وقام بنشرها مجموعة من طلبته.

تعد اللسانيات دراسة علمية موضوعية للسان البشري باعتباره غاية في ذاته، ومن أجل ذاته، "ويقصد بالدراسة العلمية البحث الذي يستخدم الأسلوب العلمي المعتمد على المقاييس الآتية:

1.    ملاحظة الظاهرة والتجريب والاستقراء المستمر

2.    الاستدلال العقلي والعمليات الافتراضية والاستنتاجية.

3.    استعمال النماذج والعلائق الرياضية للأنساق اللسانية مع الموضوعية المطلقة"[1].

ويقصد بالموضوعية "نسبة إلى الموضوعي، وهو مشتق من الموضوع؛ أي كل ما يوجد في الأعيان والعالم الخارجي في مقابل العالم الداخلي أو الذات. الموضوعي: هو كل ما تتساوى حالاته عند كل الدارسين على الرغم من اختلاف الزوايا التي يتناولون من خلالها الموضوع. ومن ههنا وجب أن تكون الحقائق العلمية مستقلة عن قائليها، بعيدة عن التأثر بأهوائهم وميولهم، فتتحقق في البحث العلمي الموضوعية والنزاهة.

الموضوعية حينئذ هي: طريقة العقل الذي يتعامل مع الأشياء والحقائق على ما هي عليه فلا يشوهها بنظرة ضيقة أو تحيز ذاتي"[2]

 وتعتبر اللسان منظومة من الأدلة المتواضع عليها بهدف تأدية دوره المتمثل في التبليغ؛ فاللساني لا يهتم إلا بوصف الأحداث اللسانية وتحليلها واقعيا.

بداية البحث اللساني

بدأ البحث اللساني مع العالم السويسري فرديناند دي سوسير Ferdinand de Saussure، باعتباره مجددا لغويا أحدث قطيعة مع المناهج التقليدية السابقة ذات المنطلقات الاجتماعية والنفسية والتاريخية... ووضع منهجا وصفيا صارما معتمدا في ذلك على ثنائية الدال والمدلول، وعزل البنية اللغوية عن العوامل الخارجية.

وميّز دي سوسير بين اللغة واللسان والكلام.

فاللسان: ظاهرة اجتماعية مكتسبة، تتحكم فيه الأعراف وعادات كل مجتمع.

اللغة: ظاهرة إنسانية طبيعية فطرية، تشترك فيها كل الأجناس.

الكلام: خصائص أدائية تميز بين الأفراد على مستوى الأداء رغم احتمال مشاركة نفس النظام اللغوي.

ويعتبر دي سوسير اللغة ملكة بشرية، أما اللسان فهو نظام اجتماعي، وتواضع بين الأفراد لتسهيل التواصل. "وبذلك، غدا دي سوسير أول من حدد معالم هذه الأفكار اللسانية الجديدة والذي أخرج للدارسين نظاما منسجم الأطراف والزوايا جعلهم وجعلنا نعجب كل العجب لمدى مكانته وقدرته على توضيح المفاهيم المتداخلة،والتمثيل لها وعلى الرغم من قيمة ما خلّفه هذا اللساني المبدع إلا أنّ آراءه لم تنل حظ شهرتها إلا بعد سنة 1929 وذلك راجع لسببين ألا وهما:

1.    القراءات الأولى لدى دي سوسيرde Saussure  كانت جد سطحية، وذلك راجع إلى سبب هيمنة التفكير التاريخي على العقول آنذاك (كتابات أنطوان ماييه وأتو يسبرسن (1860-1943)...

2.    كان لقدر آراء دي سوسير أن تنال حظ واهتمام وتفطن عالمين روسيين لقيمتها في ترقية العلوم الإنسانية ألا وهما رومان جاكبسون (1896-1982)، ونيكولاي تروبتسكوي (1890-1938) وذلك بعد أن اطلعا على أفكار فرديناند دي سوسير بفضل تلميذه كارسفسكي الذي سافر سنة 1917 إلى روسيا معلنا عن هذه الآراء والأفكار أمام أعضاء المؤتمر الدولي للسانيات في لاهاي سنة 1920"[3].

 

وتعد الدراسة التي قدمها فرديناند دي سوسير الركيزة الأساسية للبحث اللساني، والتي جمعت في كتابه دروس في اللسانيات العامة، فكانت منطلقا لعديد الأبحاث والدروس.



*فرديناند دي سوسير Ferdinand de Saussure عالم لغوي سويسري (1857-1913)، وهو أب اللسانيات الحديثة؛ إذ أصبحت دراسة اللغة تتم وفق منهج علمي وصفي يتحرى الدقة، وبين دي سوسير من خلال المحاضرات التي كان يلقيها على طلبته على بيان الفروق المنهجية بين الدراسة الوصفية وموضوع علم اللغة.

[1] مازن الوعر، دراسات لسانية تطبيقية، ص 22

[2]مازن الوعر، دراسات لسانية تطبيقية، ص 164

[3]بن عزوز حليمة، محاضرات في اللسانيات البنيوية، تلمسان، سنة 2016، ص 21

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات