القائمة الرئيسية

الصفحات

 

 

التركيب اللغوي في الخطاب

تعد مرحلة إعداد الخطاب من أهم المراحل في الخطاب، بوصفها مرحلة تغير من أوجه معرفة المتلقي والجمهور؛ بتقديم سلسلة من المعلومات المتوالية -قد تكون معلومات جديدة أو يعاد نشرها- تجعل المتلقي تحت سلطة الإعلام، حيث أصبحت وسائل الإعلام بمثابة وسائل، وأجهزة مدمرة على غرار ما تفعله الوسائل العسكرية، ومن بين المراحل المعتمدة في الخطاب التركيب اللغوي.

 يركز الخطاب الإعلامي بشتى أنواعه على اللغة المتداولة في البلد سعيا إلى تحقيق أكبر عدد من المتابعين، و"من المعلوم بأن عملية التفكير تشتمل على استخدام اللغة، وهذه اللغة التي هي قناة مهمة للاتصال تتألف من رموز ومجموعة من القواعد تسمح بإنشاء تركيبات متعددة من هذه الرموز، ومن أكثر هذه الرموز أهمية في اللغة هو المفهوم"[1].

اللغة الإعلامية

اللغة الإعلامية هي تداخل العلامات اللسانية (العلامات اللفظية) التي يعبر عنها الخطاب، وأيقونات الصورة بالتركيز على قاعدة المعطيات الفكرية والثقافية، بغية توضيح وتفسير المعنى للمتلقي، وإقناعه بالخطاب الموجه له. وتنبع هذه اللغة من موقع الجهة الحاضنة والمسؤولة عن الخطاب، ومن بين المفردات اللغوية المستخدمة في الخطاب الإعلامي (الصورة، الصوت، المؤثرات، الإيحاء....)، ويتم الاستغناء عن أركان الجمل والتعبير، "فقد يحذف الفاعل بهدف ترك القوى الفاعلة أو الجهات المسؤولة غير محددة، كما قد تعاد صياغة الجمل، أو يقع الاختيار على كلمات محددة بطريقة معينة تتضمن اختيارات وتحيزات ايديولوجية"[2].

ويتجلى ذلك في الاعتماد على مجموعة من العناصر وهي:

- الاستعمال الصحيح، والدقيق للكلمات (توظيف أساليب مبسطة)، "فكل وسيلة إعلام تسعى جاهدة إلى استخدام اللغة الأكثر ملاءمة، والأكثر مصداقية، لدى جمهورها، وهي حين تستعين بمعطيات تكنولوجية أخرى فإنها تستهدف، في المقام الأول والأخير، إحداث تأثيرها باللغة المستخدمة في الجمهور المتلقي، ذلك أن اللغة تشكل عقول الجماهير، وتصوغ رؤيته التي يفسر بها واقعه ويستوعبه، ويتكيف معه ويوجه سلوكه في التعامل مع هذا الواقع."[3]

تغيير المصطلحات

واللغة تختصر الدلالة السيميائية في الصورة، وتحدد المعنى في زمن قصير باستعمال مصطلح واحد.

  •     مصطلح الجدار الفاصل في مقابل الجدار العازل:

يستخدم الإعلام الغربي والموالي للكيان الصهيوني مصطلح "الجدار الفاصل" في خطاباته أي أنه يفصل بين دولتين، فالمصطلح اعتراف ضمني بوجود دولة إسرائيل.

 في حين يستخدم الإعلام العربي والفلسطيني مصطلح "جدار عازل" بمعنى يعزل الضفة الشرقية عن الضفة الغربية من دولة فلسطين، أي يقَسِّم الدولة الواحدة إلى ضفتين، وهذا المصطلح دال على الاحتلال والاستغلال.

 

  •      مصطلح الإرهاب في مقابل مصطلح الثوار

يصف الخطاب الإعلامي السوري الثوار السوريين بالإرهابيين للدلالة على براءة النظام السوري، والإشارة إلى الحملة العنيفة التي يتعرض لها البلد.

وتصف وسائل إعلامية عربية وأجنبية بعض الجماعات المقاتلة بالثوار أو جيش المعارضة؛ للإشارة إلى الحرب ضد النظام السوري ومقاومة جبروته.

  • الانسجام بين عناصر، ومكونات الخطاب لتسهيل عملية الفهم والتلقي، وتستخدم من خلاله عبارات منتقات، ومصطلحات يفهمها المتلقي، من قبيل استعمال مصطلحات منقولة من ثقافات غربية، وهي متداولة في المجتمعات العربية، حيث يسهل فهم تلك المصطلحات بحكم انتشارها بين الأفراد، ولأن الخطاب الإعلامي يحاول تبليغ الحدث بدقة، وفي وقت وجيز.

  • استخدام أسلوب التكرار لتغيير الرأي العام ( كالتأثير على القرارات السياسية من قبيل الانتخابات، وتمرير مخطط معين، والتأثير على حكم مسبق أو تغييره)، كما يعتبر التكرار في الخطاب الإعلامي عنصرا هاما في إزالة الغموض وتأويل المعاني لدى المتلقي، " إن تكرار الرسالة یعد عاملا مهما من العوامل التي تساعد على الإقناع، وهذا ما تقوم به الحملات الإعلانیة التي تعمد إلى تكرار الرسالة الإعلانیة، والواقع أن تحلیل الحملات الإعلامیة الناجحة یشیر إلى أنه بالرغم من أن للتكرار فوائد إلا أن إعادة ذكر ما قیل قد یضایق الجمهور، ومن ناحیة أخرى فإن التكرار بالتنویع یقوم بتذكیر المستمع أو القارئ باستمرار بالهدف من الاتصال، ویشیر في نفس الوقت احتیاجاته ورغباته، ولهذا اقترح  "بارتلین" أن مجرد التكرار لیس مفیدا ولكن التكرار بالتنویع هو الفعال"[4]

وتتميز اللغة المستعملة في الخطاب الإعلامي "بسمات خاصة تتمثل في خصائص أسلوبها كالبساطة والإيجاز والوضوح والنفاد المباشر، والتأكيد والأصالة والجلاء والاختصار والصحة."[5]، وتسهم بذلك في التأثير على أفراد المجتمع، بتوظيفها لهذه التقنيات اللغوية، والأساليب المعبر عنها بحسب السياق الذي يستدعيه الخطاب، غير أن الخطاب السياسي لا يتوقف عند أساليب التبسيط، بل يتجاوزها إلى إنتاج خطاب هدفه الأول الإخبار والتبليغ والتضليل.

تغير اللغة بتغير وسائل الإعلام

تختلف اللغة باختلاف وسائل الإعلام (مقروءة أو مسموعة أو سمعية بصرية)، فلكل وسيلة لغة خاصة بها، تحاول من خلالها استقطاب أكبر عدد من ممكن من الجماهير على اختلاف توجهاتهم الفكرية، حيث تختص كل وسيلة إعلامية بتناول مختلف المواضيع والأحداث بلغات مختلفة تناسب المتلقي، وتتّبع عادات وتقاليد البلد، وخصوصا اللغة المتداولة؛ فتارة تجد اللغة العربية الفصحى، وتارة العامية أو الدارجة، وتارة أخرى تجد خليطا من اللغات، ويوظف الخطاب الإعلامي أيقونات لغوية؛ وتتمثل في التعليقات المقدمة من مقدم نشرة الأخبار أو مقدم أحد برامج القناة، وفي الشعارات التي ترفعها الشعوب (ارحل، الشعب يريد إسقاط النظام، الحرية، العدالة....)، "فالصورة تحتاج إلى نص توضيحي: لكي تفهم بدرجة أكبر، فالنص يضفي على الصورة معنا يريده صاحبه وهذا ما أكده رولان بارث Roland Barthes في مقولته الشهيرة العالم أخرس بدون لغة"[6]، وتستخدم في مقابل ذلك أيقونات مرئية؛ تعبر عن معاني عديدة، تسمح بالتواصل السليم بين الأشخاص، وفهم المعنى المقصود، ومن بين هذه الأيقونات (هش الرأس، تقطيب الحاجبين، زم الشفتين...) ومن بين أبرز الأيقونات المرئية في العصر الحالي صورة ميدان التحرير، والتي ترمز إلى معقل الثورة المصرية.



[1] عمر نوال، مناهج البحث الاجتماعية والإعلامية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ص30

[2] سلوى النجار، طاقات الصور الدلالية، مجلة علامات، العدد25

[3] سامي الشريف، أيمن منصور ندا، اللغة الإعلامية المفاهيم -الأسس- التطبيقات، ص34، طبعة 2004

[4]أحمد، رشتى جیهان، الأسس العلمیة لنظریات الإعلامیة، المرجع السابق،ص 500-501

[5] جان جبران كرم، مدخل إلى لغة الإعلام، ص 264

[6]عبيدة صبطي نجيب بخوش، الدلالة والمعنى في الصورة، دار الخلدونية، الطبعة الأولى، سنة 2009، ص97

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات