القائمة الرئيسية

الصفحات

لسانيات سوسير

 

 

اللسانيات هي دراسة علمية لغوية، ظهرت منذ أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بعد ظهور كتاب دي سوسير "دروس في اللسانيات العامة" سنة 1916، بعد جمع تلاميذه لمحاضرات أستاذهم دي سوسير، ويعد هذا الكتاب إضافة كبيرة لمجال اللسانيات الحديثة؛ إذ أعاد النظر فيما تركه الباحثون قبله، "وما كانت في الحقيقة إعادة نظر فحسب بل ثورة على المفاهيم والأساليب المسلمة التي ما كان يجرؤ أحد قديما على جدالها وإنزالها من مستوى التقديس الأعمى إلى مستوى النظر والتمحيص" [1]

  

موضوع لسانيات سوسير

حدد دو سوسير مجال اللسانيات بقوله: اللسانيات هي دراسة اللسان لذاته ومن أجل ذاته، بغرض اكتشاف مميزات اللسان البشري، واختلافه بين البشر، وذلك بالاستغناء عن الاعتبارات المعيارية التي عرفتها الدراسات اللغوية في العصور السابقة.

وينبغي أن يدرس اللسان بحسب دي سوسير في بنية معينة لأن الحروف تتغير من لغة إلى أخرى، فإذا كانت العلاقة بين حرف (ر) والحرف (غ) في اللغة العربية علاقة تقابلية، فهو في اللغة الفرنسية في علاقة تبادلية، فاستبدال حرف الراء في كلمة Robe لا يغير من المعنى. وتبيّن لسوسير أنّ الدراسة اللغوية في الحضارة الإنسانية مرت بثلاث مراحل أساسية: وهي مرحلة النحو، ومرحلة الفيلولوجيا، ومرحلة الفيلولوجية المقارنة، ومرحلة النحو في نظر دي سوسير "بدأت من جهود اليونانيين، ثم تعمقت أكثر على يد الفرنسيين بخاصة في نحو بور روايالPort Royal ، فهي دراسة قائمة في جوهرها على المنطق وأدواته (المفاهيم والاصطلاحات)، وتكاد تخلو هذه الدراسة من أي تصور علمي واقعي للظاهرة اللغوية من حيث هي إنجاز فعلي للكلام، فكان الهدف من هذه الدراسة هو وضع معايير ثابتة بناء على مبدأ الخطأ والصواب، فهي دراسة معيارية ليس إلا.

المرحلة الثانية: مرحلة الفيلولوجيا، كانت هذه الدراسة تسعى إلى شرح النصوص القديمة وتفسيرها، إذ تعتمد اللغة وسيلة وليست غاية في ذاتها، فهي دراسة تتميز بالقدم حيث اقترنت نشأتها الجنينية بالنصوص المكتوبة باللغتين: اليونانية واللاتينية، فموضوع الفيلولوجيا الأساس ليس اللسان من حيث هو غاية في ذاته، وإنما اللسان من حيث هو وسيلة لمعرفة ما هو خارج عن النسق اللساني نفسه، فالفيلولوجيا - كما هو معروف – تعكف على دراسة الخطاب المكتوب وتقصي من اهتماماتها الخطاب المنطوق.

المرحلة الثالثة: مرحلة الفيلولوجية المقارنة، ظهرت هذه الدراسة منذ أن استكشف الأوروبيون العلاقات القائمة بين اللغات القديمة (السنسكريتية واليونانية واللاتينية)، إذ بدأ الاهتمام بالبحث عن الصفات المشتركة بين اللغات على المستوى الصوتي والتركيبي والدلالي، ولقد أوحى فرونز بوب    Franz Bopp (1791- 1867) من خلال جهوده الأولية في هذا الشأن بإمكانية وجود علم مستقل يعكف على مقاربة الألسنة، والبحث عن الصفات المشتركة بينها"[2]

 

التمييز بين اللسان والكلام

ميّز دي سوسير بين اللسان والكلام، واعتبر اللسان نظام اجتماعي قائم في الذهن، يرجع إليه الأفراد ليغترفوا منه، ومن أهم المفاهيم التي أسس عليها دي سوسير علم اللسان: اللغة، واللسان، والكلام، فاللسان ظاهرة اجتماعية أخص من اللغة (التي اعتبرها ظاهرة إنسانية طبيعية، فطرية)، فمن خلال هذا التقسيم ميّز دي سوسير بين المستوى الإنساني في اللغة، والمستوى الاجتماعي أي اللسان؛ فالمستوى الاجتماعي جزء من المستوى الإنساني، فقد حدد بذلك ثلاثة مستويات متعلقة بماهية اللغة، وهي:

  • اللسان: ظاهرة اجتماعية مكتسبة، يدخله العرف، ويفصل مجتمعا عن الآخر.

  •      اللغة: ظاهرة إنسانية طبيعية فطرية، مشتركة بين الأجناس والمجتمعات.

  •        الكلام: أداء يخص الأفراد، بحسب النظام اللغوي، ويميز بعضهم عن بعض.

فاللغة عند دي سوسير ملكة بشرية، واللسان تواضع بين الأجناس، وأداة للتواصل؛ بمعنى أن اللسان ليس لغة. وميّز سوسير كذلك بين اللغة والكلام "على أساس أن اللغة شيء مستقل عن المتكلم الذي يستعملها، فينتج كلاما فرديا شخصيا، مثل عازف يستعمل آلة موسيقية ينتج باستعماله لها أنغاما تختلف عن تلك التي ينتجها عازف آخر، في الوقت الذي تبقى فيه الآلة مستقلة، وذات طبيعة مستقلة أيضا عن النغمات. وتنبني على هذا التفريق نتيجة مهمة، وهي أن دراسة اللغة تختلف عن دراسة الكلام الذي هو منتج فردي شخصي. وإذا كانت اللغة، من حيث طبيعتها، أقرب إلى الشكل؛ فإن الكلام أقرب إلى التطبيق"[3]



[1]عبد الرحمن الحاج صالح، بحوث ودراسات في علوم اللسان، دار الآفاق، الجزائر، سنة 2007، ص 07

[2]أحمد حساني، مباحث في اللسانيات، منشورات كلية الدراسات الإسلامية والعربية، الطبعة الثانية، سنة 2013، ص 30 31

[3] إبراهيم محمود خليل، في اللسانيات ونحو النص، دار المسيرة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، سنة 2009، ص 17

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات