النقد الأدبي هو تحليل النصوص الأدبية، وتقدير قيمتها الفنية، وبيان مظاهر القوة والضعف فيها، وقد سبق الحديث عن تعريف النقد الأدبي بشكل مفصل في الموضوع السابق، والمعنون بالنقد الأدبي: النقد الأدبي
نشأة النقد الأدبي في العصر الجاهلي
نشأ النقد الأدبي في العصر الجاهلي بين الشعراء، واعتمد بداية على الانطباع الذاتي والبسيط، الذي يصدر بطريقة عفوية دون ضوابط. وشهد العصر الجاهلي حرص الشعراء على تجويد وتهذيب قصائدهم، وخاصة المعلقات؛ إذ عرف أصحابها بطول النظر والمراجعة، حيث بلغت هذه المرحلة حولا كاملا.
خصائص النقد في العصر الجاهلي
- النقد الفطري:
ويعتمد على ذوق الشاعر ونظراته الشخصية بعيدا عن التعليل، "حيث كان الناقد يعتمد
على ذوقه وانطباعه الفطري يوجه نقده للشعر في كلمة أو جملة تجاه بيت أو عدة أبيات
كانت قد تركت في نفسه أثرا معينا، لأن الانطباع البسيط الفطري في الإنسان" [1]
- الجزئية: أن يقتصر النقد على دراسة بيتين والمقابلة بينهما.
- الذاتية: البعد عن الموضوعية والإحاطة والشمول.
- العصبية القبلية: الانتصار لشعر القبيلة، "إنّ القبائل قد قالت بأهوائها"[2]
- عدم التعليل: يصدر الناقد في العصر الجاهلي الحكم دون تقديم تعليل أو بيان سبب نقده للشعر.
صور النقد في العصر الجاهلي
اتخذ النقد في العصر الجاهلي صورا وأشكالا متنوعة، نذكر منها ما يلي:
- النقد المتعلق باللفظ، ومن ذلك قول المسيب بن علس في إحدى قصائده:
وقَدْ أَتَنَاسَى الهَمَّ عِنْدَ احتِضَارِه *** بِنَاجٍ عَلَيهِ الصَيْعَرِيّةُ مُكْدَمِ
فقال له طرفة بن العبد استنوق الجمل، أي أنّ الشاعر (المسيب بن علس) في وصفه الجمل ذكر ما يخص الناقة (الصيعرية)، وهي سمة تكون في عنق الناقة، فاللفظ الذي استعمل المسيب بن علس لفظ خاطئ.
- النقد المتعلق بالمعنى: كقول الأعشى في مدح قيس بن مَعْد يَكْرِب:
وَنُبِّئْتُ قَيْسًا ولَم أَبْلُه *** كما زَعَمُوا خَيْرَ أَهْلِ اليَمَن
فَجِئْتُكَ مُرْتادَ ما خَبّروا *** ولولا الذي خَبَّروا لَمْ تَرَنْ
ففي البيت الأول خطأ معنوي، لأن عدم اختبار الممدوح يضعف الحكم، ولأن الزعم مطية الكذب.
- العيوب الفنية في الشعر: فقد رُوِي أنّ النابغة الذبياني وقع الإقواء (المخالفة بين حركات الروي في القصيدة) في قوله:
مِنْ آلِ ميّة رَائِحٌ أو مُغْتَدِي*** عَجْلاَنَ ذا زادٍ وغَيرَ مُزَوَّدِ
رَغْمَ البَوارِح أنّ رحلتنا غدا *** وبِذاكَ خَبّرنا الغرابُ الأسودُ
فلمّا رُتِّل البيتانعلى أهل المدينة أحس النابغة الذبياني بوجود نشاز في البيت الثاني، فغيّر الروي المضموم في البيت الثاني، حيث قال: وبِذاك تَنْعَابُ الغُرَابِ الأَسْوَدِ، "ويدل هذا على أنّ أهل المدن والحضر كانوا أول من أدرك عيب القافية التي يقع فيها الإقواء، ولعل سبب ذلك يرجع لأنهم كانوا يغنون الشعر ويكتبونه، فلذلك كانوا سابقين لغيرهم في إدراك ما في الشعر من عيب في حركة القافية"[3].
- نقد الصورة الشعرية: وتتمثل في احتكام امرئ القيس وعلقمة الفحل إلى زوج امرئ القيس، بعد تنازعهما في الشعر، وأيهم أشعر من الآخر؛ إذ قال امرئ القيس:
خَلِيلَيَّ مُرَّا بي على أمِّ جُنْدُبِ *** لِنَقْضِيَ حَاجَاتِ الفُؤَادِ المعذَّبِ
وقال عَلْقَمَةُ:
ذَهَبْتُ مِنَ الهُجْرَانِ في كُلِّ مَذْهَبِ *** ولم يَكُ حَقًّا كُلُّ هذا التّجَنُّبِ
وبعد متابعة كل منهما قصيدته، قالت زوجة امرئ القيس: علقمة أشعر منك، فقال: كيف ذلك؟ فقالت لأنك قلت:
فَلِلسَّوْطِ أُلْهُوبٌ ولِلسَّاقِ دِرَّةٌ *** ولِلزَّجْزِ مِنْهُ وَقْعُ أَهْوَجَ مِنْعَبِ
فجهدت فرسك بسوطك، وحَثَثْتَهُ بساقك.
وقال علقمة:
فَأَدْرَكَهُنَّ ثَانِيًا مِنْ عِنَانِهِ*** يَمُرُّ كَمَرِّ الرَّائِحِ المتَحَلِّبِ
فأدرك طريدته وهو ثان من عنان فرسه، ولم يضربه بسوط، ولم يتعبه.

تعليقات
إرسال تعليق