يمثل العصر الإسلامي بداية حقبة بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى نهاية الخلافة الأموية سنة 632 هجرية، وعرف الشعر في هذه الفترة ظهور أغراض جديدة رافقت باقي الأغراض القديمة التي عرفها الشعر العربي في العصر الجاهلي، ويمكن تقسيم العصر الإسلامي إلى قسمين: عصر صدر الإسلام، وعصر بني أمية، أو العصر الأموي؛ وسنخصص هذا الموضوع للحديث عن الشعر في عصر صدر الإسلام.
الإسلام والشعر
عرف عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تطاول شعراء المشركين على الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلى سائر المسلمين؛ فما كان من الشعراء المسلمين إلا الدفاع عن الإسلام والمسلمين، والإشادة بعظمة الإسلام، والدفاع عن العقيدة الإسلامية، ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم، والحث على نصرة الإسلام والمسلمين، ومن بين هؤلاء الشعراء الذين انتصبوا للدفاع عن الإسلام: حسّان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة... وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام لحسّان بن ثابت: "أهجهم أو هاجهم وجبريل معك"[1].
خصائص الشعر في عصر صدر الإسلام
عرف الشعر في صدر الإسلام مجموعة من الخصائص، ساهمت في تخلي معظم الشعراء عن معاني وأساليب تتنافى مع مبادئ الإسلام، فقد اتجه الشعراء المنتسبين للدعوة الإسلامية إلى تناول موضوعات جديدة، ومن أهمها:
- الدفاع عن العقيدة الإسلامية: ومن ذلك قول كعب بن مالك يوم بدر:
عَجِبْتُ لِأَمْرِ اللهِ واللهُ قادِرُ *** على ما أرادَ ليسَ للهِ قاهِرُ
قَضَى يومَ بَدرٍ أنْ نُلَاقي مِعْشرًا *** بَغَوا وسبيلُ البَغي بالنّاسِ جائِرُ
- تضمن الشعر معاني القرآن والحديث الشريف، ومنه قول حسّان بن ثابت :
عزيز عليه أن يحيدوا عن الهدى *** حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
فهذا البيت مقتبس من معنى قوله تعالى: "عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" سورة التوبة الآية 128
- التعبير عن تقوى الله والقيم والفضائل الإسلامية، ومنه قول بجير بن زهير بن أبي سلمى:
إلى الله لا العزّى ولا اللّاتِ وَحْدَهُ *** فَتَنْجو إذا كَانَ النّجاءُ وتَسلَمُ
لَدَى يَومٍ لا ينجو وليسَ بِمفْلِتٍ *** مِنَ النّارِ إلا طاهر والقلبِ مُسلِمُ
-
البعد عن النزعة القبلية، والتعصب في
القول
- استعمال ألفاظ جديدة في الشعر من قبيل: الجنة، النار، الشرك، الفسق، الكفر....
- الابتعاد عن الصنعة والتكلف في قول الشعر.
أغراض الشعر في عصر صدر الإسلام
تنوعت أغراض الشعر في صدر الإسلام، ولم تختلف كثيرا عن سابق الأغراض إلا في حالات معينة كالدعوة إلى الإسلام، ومكارم الأخلاق، والدعوة إلى الفتح الإسلامي، ومن بين هذه الأغراض نذكر ما يلي:
- المدح: اختلف غرض المدح في صدر الإسلام عن المدح المعروف في العصر الجاهلي والخاص بالمدح التكسبي، فقد تغير هدف المدح في عصر صدر الإسلام، حيث خُصص للدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلّ،، والذب عن أعراض المسلمين، ومن أجمل ما قيل في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، ما جاء في قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير، وقال فيها:
إنّ الرّسولَ لَنُورٌ يُضَاءُ بِهِ *** مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ مَسْلُولُ
وأما المدح الخاص بالدعوة إلى الإسلام، فيتمثل في قول عبد الله بن رواحة:
يَا هاشمَ الخَيرِ إِنّ الله فَضّلَكُم *** على البَرِيَّةِ فَضلاً ما لهُ غِيَرُ
إنّي تَفَرَّسْتُ فيكَ الخَيْرَ أَعْرِفُهُ *** فِرَاسَةً خَالَفَتْهُم في الذي نَظَروا
ولو سألتَ أو استَنْصَرْتَ بَعْضَهُمُ *** في جُلِّ أَمْرِكَ ما آوَوْا وما نَصَرُوا
فَثَبَّتَ اللهُ ما آتاكَ مِنْ حَسَنٍ *** تَثْبِيتَ موسى ونَصرًا كالذّي نُصِرُوا
- شعر الفتوحات الإسلامية: دعا الشعراء إلى الجهاد في سبيل الله، وحث المسلمين على القتال، وحمّسَ الشعراءُ المجاهدين، وشجعهم وأشاد بهم، ومن الأشعار التي تدل على الاقتناع بالدفاع عن المسلمين، والجهاد في سبيله، قول النابغة الجعدي مخاطبا زوجته، حين اعترضت على الخروج مع المجاهدين:
بَاتَتْ تُذَكِّرُني بالله قاعِدَةً *** والدّمعُ يَنْهَلُّ من شأْنَيْهِما سَبَلاً
يا بنت عَمِّي كِتابُ الله أَخْرَجَنِي *** كُرْها وهَلْ أمنعنَّ الله ما فعلا
فَإنْ رَجَعْتُ فَرَبُّ النّاسِ يُرْجِعُنِي *** وإنْ لَحِقْتُ بِرَبِّي فابْتَغِي بَدَلا
ما كنتُ أعْرَجَ أو أعمى فَيَعْذرَني*** أو ضارِعاً من ضَنّى لَمْ يَسْتَطِعْ
- الرثاء: يعتبر الرثاء من الأغراض التي كان لها شأن في صدر الإسلام، وخاصة بعدما اشتدت المعارك، وفُقِدَ الكثير من المسلمين، ومن نماذجشعر الرثاء ما قاله حسّان بن ثابت في رثاء الرسول صلى الله عليه وسلم:
ما بالُ عَيْنِكَ لا تَنَامُ كَأَنّما *** كُحِلَتْ مآقِيها بِكُحْلِ الأرْمَد
وقول عبد الله بن رواحة في رثاء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما:
بَكَتْ عَيْنِي وحُقَّ لهَا بُكَاهَا *** وما يُغْني البُكاءُ ولا العَويلُ
على أسَدِ الإِلَهِ غَدَاةَ قَالُوا *** أَحَمْزَةُ ذَاكُمُ الرَّجُلُ القَتِيلُ
عَلَيْكَ سَلَامُ رَبِّكَ فِي جِنَانٍ *** مُخالِطُها نَعيمٌ لا يَزُولُ
- الحماسة: نشأ الشعر الحماسي في العصر الإسلامي تشجيعا للمسلمين على قتال المشركين، والتغني بانتصاراتهم على العدو، فظهرت أشعار حماسية كثيرة، ومن بين هذه الأشعار نذكر شعر كعب بن مالك في معركة أحد؛ إذ قال فيها:
ثلاثَةُ آلافٍ ونحنُ نَصِيّةٌ *** ثلاثُ مئينٍ إِنْ كَثُرْنَا وأَرْبَعُ
فَرَاحُوا سرَاعاً مُوجِفِينَ كَأَنَّهُمْ *** جَهَامٌ هَرَاقَتْ مَاءَهُ الرِّيحُ مُقْلِعُ
ورُحْنا وأُخْرَانَا تَطَانَا كَأنَنَا *** أُسُودٌ على لَحْمٍ بِبيشَةَ ظُلَّعُ
- الهجاء: انتشر شعر الهجاء بين شعراء المسلمين ونظيرهم من الكفار، واختلفت المعاني المستعملة؛ من قبيل الرمي بالكفر، والفرار من المعركة، والهزيمة،ومن نماذج الهجاء قول عبد الله بن رواحة في هجاء المشركين:
شهدتُ بِأن وعد الله حَقٌّ *** وأن النار مَثْوى الكافرينا
وقول حسّان بن ثابت في هجاء بني سهم بن عمرو:
واللَّهِ ما في قُرَيشٍ كُلّها نَفَرٌ ** أكْثَرُ شَيْخاً جَبَاناً فَاحِشاً غُمُرا
أذَبَّ أصْلَعَ سِفْسِيراً لَهُ ذُأبٌ ** كالقردِ يعجمُ وسطَ المجلسِ الحمرا
هذرٌ مشائيمُ محرومٌ ثويهمُ ** إذا تروحَ منهمْ زودَ القمرا
لَوْلا النّبيُّ، وقوْلُ الحقّ مَغضَبَةٌ ** لمَا تركتُ لكم أُنْثى وَلا ذَكَرَا

تعليقات
إرسال تعليق