ازدهر الشعر في العصر الأموي من جديد، وعادت العصبية القبلية، بعد الطوائف ونشوب صراعات حول الحكم، وتوسعت بذلك رقعة الأدب؛ إذ نافح كل شاعر عن قبيلته وزعيمه، وظهرت أغراض جديدة كالشعر السياسي، وبزوغ شعر النقائض، وعادت أغراض قديمة إلى سابق عهدها من مدح الملوك والفخر والهجاء والرثاء...
خصائص الشعر في العصر الأموي
- استطاع الشعر الأموي الجمع بين معاني الشعر الجاهلي، ونظيره الشعر الإسلامي، وتوسع في شرح العقيدة الإسلامية، والاستمرار في الدعوة إلى دين التوحيد.
- احتفاء الخلفاء والأمراء الأمويين بالشعر، ويظهر ذلك في إنفاقهم أموال طائلة لتشجيع الشعراء.
- ظهور فرق دينية وسياسية، نتج عنها بروز معاني جديدة كالجدل السياسي عند مختلف الفرق والمذاهب، حيث برز شعر النقائض الذي يعتبر تطورا عن شعر الهجاء.
- الانفتاح على ثقافات مختلفة، حيث أسفرت عن
ظهور شعراء غير عرب، وتنوعت بذلك الأساليب بين شعراء الهجاء ويمثله، الفرزدق وجرير
والأخطل، وشعر الغزل كجميل بثينة، وعمر بن أبي ربيعة، وشعر الفتوحات...
أغراض الشعر الأموي
حافظ شعراء العصر الأموي على أغراض الشعر القديم، وتجددت أغراض جديدة كالشعر السياسي والغزل العذري، وظهر شعر الوصف الذي اختص بوصف البلاد وطبيعته.
المدح
تنوعت قصائد المدح، وتضمنت القيم والفضائل الإسلامية، وهيمن مدح الخلفاء والأمراء على فن المديح في العصر الأموي؛ إذ اهتم الخلفاء والأمراء بالشعر، ووضعوا مجالس خاصة له.
ومن أشهر شعراء المدح في هذا العصر الأخطل وجرير والفرزدق وذو الرمّة، ويقول جرير مادحا عبد المالك:
لولا الخليفةُ والقرآنُ يقْرَؤهُ ما قام للنّاس أحْكامٌ ولا جُمَعُ
وقول الفرزدق في مدح زين العابدين:
هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأته والبيتُ يعرفه والحلُّ والحَرَمُ
هذا ابن خير عبادِ الله كُلِّهِمُ هَذا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ
الهجاء
يعتبر الهجاء في العصر الأموي امتدادا للهجاء الجاهلي، والمتعلق بمهاجمة المهجو والتقليل منك، وإلحاق الضرر به، وأصبح هجاءً منظما عكس ما كان عليه في العصر الجاهلي من انقطاع، وسمي الهجاء المنظم بالنقائض.
النقائض
وهو فن شعري، يفخر فيه الشاعر بنفسه وقبيلته، ويهجو شاعرا آخر، ويهاجم قبيلته، ويرد عليه هذا الشاعر ويتحداه وينفي ما جاء في القصيدة الأولى من معان، وينظم الشاعر المهجوالقصيدة على منوال القصيدة الأولى (الوزن والقافية). ومن أشهر النقائض في العصر الأموي هي ما كان بين جرير والفرزدق؛ ومن نماذج هذه النقائض، قول الفرزدق:
فما أنت من قيس فتنبحَ دونها ولا من تميم في الرؤوس الأعاظِم
وهل يا بنَ تَفْرِ الكلب مثلُ سيوفِنا سيوفٌ ولا قِبْصُ العَديْدِ القُمَاقِم
فلو كنتَ منهم لم تعبْ مِدْحَتِي لهم ولكن حِمَارٌ وشيهُ بالقَوَائِم
فَيَا عَجباً حتى كُليبٌ تَسُبُّني وكانت كليبٌ مَدْرَجاً لِلْمَشَاتِمِ
ونقض جرير قصيدة الفرزدق؛ وقال فيها:
لقد وَلَدَتْ أُمُ الفرزدق فاجراً وجاءت بوزوارٍ قصير القوائم
وما كان جارٌ للفرزدق مُسلِمٌ ليأمن قِرْداً ليلُهُ غيرُ نائِم
يُوَصِّلُ حَبْلَيْهِ إذا جَنّ ليلُهُ لِيَرْقَى إلى جَارَاتِهِ بالسلالِم
وإنّي وقَيساً يا ابن قَيْنِ مُجاشِعٍ كريمٌ أُصَفِّي مِدْحَتي للأكَارِمِ
شعر الفتوحات
يُعد شعر الفتوحات امتدادا لشعر الدعوة الإسلامية في عصر صدر الإسلام؛ حيث استمر شعر الفتوحات في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، وعمل الشعراء على تصوير تلك الفتوحات، ووصف المسلمين وثباتهم.
ومن أمثلة شعر الفتوحات قول كعب الأشقري:
والتركُ تعلمُ إذ لاقَى جُمُوعَهُمُ أنْ قَدْ لَقُوه شهاباً يَفْرِجُ الظُّلُمَا
بفِتيةٍ كأسُودِ الغَابِ لم يَجِدُوا غَيْرَ التّاسِّي وغَيْرَ الصبْرِ مُعْتَصَمَا
في حازَّةِ الموتِ جَنَّ ليلُهُمُ كلا الفريقينِ ما ولى ولا انهزما
الشعر السياسي
نشأ الشعر السياسي في العصر الأموي بعد ظهور الفُرق والأحزاب السياسية كالشيعة والخوارج؛ فكانت سببا في اندلاع الفتن ونشوب النزاعات، وواكب الشعر كل هذه الصراعات والفتن، ودافع الشعراء عن أحزابهم، ودفع الأذى عن دولتهم، ومهاجمة القبائل المعارضة.
ودافع الأخطل عن الدولة الأموية في شعره؛ إذ قال:
حَشْدٌ على الحقّ عيافُواالخَنَا أُنُفٌ إذا ألَمّتْ بِهم مكروهةٌ صبرُوا
وإنْ تَدَجّت على الآفاق مُظلِمَةٌ كان لهم مخرجٌ منها ومُعتَصَرُ
شمسُ العداوَةِ حتى يُستَقَادَ لَهُمْ وأعظمُ النّاس أحلاما إِذا قَدَروا
ومن شعر الشيعة قول الكُمَيْت؛ وهو أشعر شعراء الشيعة:
طَرِبتُ وما شوقاً إلى البيض أطربُ ولا لعباً منّي وذو الشيب يلعَبُ
ولم يُلهني دارٌ ولا رسمُ مَنْزِلٍ ولم يتطرَّبني بنان مُخَضَّبُ
ومن شعر الخوارج، قول أشهر شعرائهم؛ وهو قطري بن الفجاءة:
أقولُ لها وقد طارت شعاعا من الأبطال ويحكِ لن تراعي
فإنك لو سألتِ بقاءَ يومٍ على الأجَلِ الذي لكِ لن تُطاعي
فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلودِ بمُستطاعِ
الغزل
ظهر في العهد الأموي لونان جديدان من الغزل وهما: الغزل العذري العفيف، ويمثله جميل بثينة، ومجنون ليلى، وعُرِف بتصوير العواطف الصادقة والابتعاد عن المجون، والغزل الحسي الصريح، ويمثله عمر بن أبي ربيعة، ويهتم بتصوير الأحاسيس ووصف الجسد.
ومثال الغزل العذري العفيف: قول جميل
وإنّي لَأَرضَى مِن بُثَينةَ بالذي لَوَ ابْصَرَهُ الوَاشِي لَقَرَّتْ بَلاَبِلُهُ
ومثال الغزل الحسي الصريح؛ قول عمر بن أبي ربيعة:
غادَةٌ تَفْتَرُّ عَنْ أَشْنَبِهَا حِينَ تَجْلُوهُ أَقَاحٍ أو بَرَدْ
ولَها عينان في طرَفيهما حَوَرٌ منها وفي الجيدِ غَيَدْ
الرثاء
تغير غرض الرثاء في عصر بني أمية؛ إذ ارتبط موضوعه بالعقيدة الإسلامية عند نزول المصائب من خلال التذكير بالقضاء والقدر، وفي حالة الشهادة في سبيل الله كان التذكير بالجزاء المنتظر يوم القيامة.

تعليقات
إرسال تعليق