أثّر الإسلام في الأدب شعره ونثره، بعد أن رسم للحياة طريقا جديدة، ونبذ ما كان من التعصب القبلي، ونادى لمكارم الأخلاق، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته، فتغيّرت الألفاظ والأساليب التي كانت سائدة في العصر الجاهلي، وتطورت الخطابة والرسالة في العصر الإسلامي.
فما التأثيرات التي أحدثها الإسلام في الأدب؟ وما الظواهر الأدبية التي ميّزت العصر الإسلامي؟
تأثيرات الإسلام في الأدب
من أهم ما يُميّز العصر الإسلامي هو اكتساب الأدب معاني ومضامين جديدة سواء في مجال الشعر أو في النثر؛ بفضل تغير طرق التعبير، وتغير مظاهر الحياة التي عرفها العرب بعد قدوم الإسلام الذي رفض العنف، ودعا إلى مكارم الأخلاق، فتحولت بذلك أساليب وألفاظ الشعراء والأدباء إلى الرقة، والدعوة إلى التوحيد، والابتعاد عن التعصب القبلي والغزل الفاحش، وكل ما يتنافى مع التعاليم الإسلامية.
وأسهم الإسلام بذلك إلى توسع رقعة الأدب، وتعدد أغراض الشعر، وذلك بعد تأثر الأدباء والشعراء بالقرآن الكريم والحديث الشريف، حيث اقتبسوا أساليب ومعانيه؛ إذ أصبح القرآن مصدرا لاستنباط شواهد كثيرة تعزز بها الخطب والرسائل والأشعار.
الشعر في العصر الإسلامي
تميز الشعر في العصر الإسلامي بالدعوة إلى الإسلام، والدفاع عن العقيدة، ونصرة الإسلام والمسلمين، كما بزغ شعر الفتوحات، والذي اهتم بالإشادة بشجاعة المسلمين والفخر بانتصاراتهم.
ولم تختلف باقي الأغراض عن أغراض العصر
الجاهلي باستثناء بعض الأغراض كالمدح والهجاء والغزل... وللاطلاع على موضوع الشعر
في صدر الإسلام، فقد أشرنا إلى هذا الموضوع سابقا الشعر في صدر الإسلام
النثر في العصر الإسلامي
يتمثل النثر في عصر صدر الإسلام في الخطابة والرسائل؛ وحظيت بمنزلة رفيعة، وباتت تنافس الشعر بسبب حاجة الإسلام إلى إلقاء الخطب لإثارة العواطف، والرسائل لدعوة الناس إلى عبادة الله وترك الشرك.
الخطابة
وتختلف الخطابة في عصر صدر الإسلام عن خطب العصر الجاهلي، وتتميز بسهولة الأسلوب، ووضوح المعنى لاعتمادها على ألفاظ مقتبسة من القرآن الكريم والحديث الشريف؛ وتتنوع موضوعاتها من خطب دينية، وخطب سياسية، وخطب خاصة بالحروب، وخطب تخص المناسبات.
وتلقى الخطب من قِبَل الخطيب، والذي يشترط فيه أن يلقي الخطبة واقفا، أو من فوق المنبر، أو مكان مرتفع عن الأرض، حتّى يثير انتباه الناس.
ومن نماذج الخطابة، نذكر: خطبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم تولى الخلافة، إذ قال: "اقرؤوا القرآن تُعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، إنه لم يبلغ حقُّ ذي حقٍّ يطاع في معصية الله ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم: إن استغنيتُ عَففتُ، وإن افتقرتُ أكلتُ بالمعروف تَقَرُّمَ البهمة الأعرابية: القضم لا الخضم"[1].
وخطبة أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "أيها الناس إنما أنا متبع ولستُ بمبتدع فإن أحسنت فأعينوني وإن زُغتُ فقوِّموني. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم"[2].
الرسائل
تعددت أسباب كتابة الرسائل في العصر الإسلامي، وتنوعت موضوعاتها بحسب الجهات المستقبلة لها، ومن أمثلة ذلك: رسائل الملوك والرؤساء، وتسمى الرسائل الديوانية وتخص قضايا الدولة والسياسة، والرسائل التي يكتبها الأدباء، وتسمى الرسائل الإخوانية، وهي متنوعة الأغراض والموضوعات، ومن أمثلة الرسائل: رسالة الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى ملك فارس، وجاء فيها: "من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس: سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاء الله تعالى، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيًا ويحق القول على الكافرين. فأَسْلِم تَسْلَم"[3].
ورسالة عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري والي البصرة: "سلام عليك. أما بعد. فإن القضاءَ فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أُدْلِي إليك، فإنه لا ينفع تكَلُّمٌ بحق لا نفاذ له.
آس بين الناس في وجهِك وعدلك ومجلسك، حتى لا يطمع شريف في حيْفك، ولا ييأسَ ضعيف من عدلك.
البينة على من ادَّعى واليمينُ على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحلَّ حراماً أو حرم حلالاً. ولا يمنعك قضاءً قضيتَه بالأمس – فراجعت فيه عقلك، وهديت لرشدك- أن ترجع إلى الحق، فإنّ الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل."[4]
[1] ابن قتيبة، عيون الأخبار، 2/234
[2] ابن قتيبة، عيون الأخبار، 2/234
[3] إعجاز القرآن، 134
[4]أبو العباس المبرد، الكامل في اللغة والأدب، الجزء الأول، ص 13

تعليقات
إرسال تعليق